
في خطوة تُعدّ علامة فارقة في مسيرة الصناعات الحرفية السعودية، أعلنت جمعية أصايل التعاونية النسائية الحرفية عن إطلاق مبادرتها الوطنية الكبرى “من التراث إلى العالم”، والتي تهدف إلى إحياء الحرف التقليدية السعودية وتطويرها وتسويقها عالميًا، في إطار جهود الجمعية المستمرة لتعزيز الهوية الوطنية ودعم الاقتصاد الإبداعي وتمكين المرأة السعودية في قطاع الحرف والصناعات اليدوية.
وتأتي هذه المبادرة في وقت يشهد فيه العالم اهتمامًا متزايدًا بالحرف التقليدية والصناعات اليدوية الأصيلة، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الإنسانية، وفرصة اقتصادية ضخمة تعكس هوية الشعوب وتاريخها. ومن هنا، تسعى جمعية أصايل إلى أن تكون المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول التي تقدّم تراثها للعالم بأسلوب عصري واحترافي.
المبادرة التي تمتد على عدة مراحل:
تبدأ من إحياء وتوثيق الحرف التقليدية المنتشرة في مختلف مناطق المملكة، مثل:
الخياطة والتطريز التقليدي الذي يعكس هوية الأزياء السعودية بكل تفاصيلها الدقيقة.
حياكة السدو التي تُجسد روح الصحراء وتفاصيل حياة البادية.
صناعة السعف والخوص التي تستثمر خامات الطبيعة المحلية في إنتاج منتجات منزلية ووظيفية ذات طابع تراثي.
صناعة الفخار والسيراميك التي تربط الإنسان بالأرض وتُحوّل الطين إلى أعمال فنية وأدوات عملية.
صناعة الحلي والسبح التي تعكس ذوق المجتمع السعودي وفنونه.
صناعة العطور والعود التي تعبّر عن الضيافة والأناقة السعودية.
ولا تقتصر المبادرة على الإنتاج فقط، بل تشمل برامج تأهيل وتدريب متكاملة تستهدف تمكين الحرفيين والحرفيات، خصوصًا النساء، من تطوير مهاراتهم وتحويل موهبتهم إلى مشروع تجاري مستدام. وتتضمن البرامج التدريبية دورات في:
أساليب الإنتاج الحديثة مع الحفاظ على الطابع التراثي.
تقنيات التسويق الرقمي لمنتجات الحرف.
مهارات التصميم والتغليف والهوية البصرية.
بناء العلامة التجارية وتطوير المشاريع الصغيرة.
وفي إطار سعيها لرفع الحرف السعودية إلى المستوى العالمي، أعلنت “أصايل” أيضًا عن توقيع عدة اتفاقيات تعاون وشراكات استراتيجية مع جهات محلية ودولية، تشمل منظمات حرفية ومراكز تصميم ومتاحف ومعارض عالمية، بهدف فتح قنوات تسويقية جديدة للمنتجات الحرفية السعودية. كما تتضمن المبادرة خطة لإطلاق علامة تجارية وطنية موحّدة لمنتجات الحرف اليدوية السعودية، تحمل اسم “أصايل – Made in Saudi Arabia”، لتكون مظلة تسويقية تضمن جودة المنتج وتميّزه في الأسواق العالمية.
وقالت الأستاذة مشاعل منصور أبو العلا – المدير العام للجمعية –
إن هذه المبادرة تأتي في سياق رؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد ودعم القطاعات الإبداعية غير النفطية، مضيفة:
“هدفنا أن لا تبقى الحرف مجرد إرث في الذاكرة، بل أن تتحول إلى مصدر دخل مستدام، وفرصة استثمارية حقيقية، ومنتج عالمي يحمل اسم السعودية ويفتخر به الجميع.” وأضافت أن الجمعية تعمل حاليًا على تجهيز مركز متكامل للصناعات الحرفية في الدرعية، سيكون الأول من نوعه في المنطقة، حيث سيضم معامل إنتاج حديثة، ومعارض عرض وتسويق، وأقسام تدريب وتأهيل، بالإضافة إلى مركز بحوث وتوثيق للحرف التقليدية السعودية.
وتوقعت “أصايل” أن تسهم هذه المبادرة في خلق آلاف فرص العمل خلال السنوات الخمس القادمة، وأن ترفع مساهمة قطاع الحرف في الناتج المحلي الإجمالي، وتفتح المجال أمام تصدير المنتجات السعودية إلى أسواق أوروبا وآسيا وأمريكا.
واختتمت الجمعية بيانها بالتأكيد على أن “من التراث إلى العالم” ليست مجرد مبادرة، بل حركة ثقافية واقتصادية وطنية تسعى لأن تجعل من الحرف السعودية رمزًا عالميًا يعكس العمق التاريخي والثقافي للمملكة، ويضعها في مكانتها التي تستحقها على خريطة الصناعات الإبداعية العالمية.